فصل: 18- وصية جامعة لقاض من أي مذهب كان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التعريف بالمصطلح الشريف



.14- وصية مقدم الأكراد:

(فليجمع أشتات هذه الفرق، وليجمع من شملهم ما افترق، وليؤلف قلوب أكابرهم ممن نفر، وليذهب بأس بينهم ليكون بأسهم فيمن كفر، وليخلص أظفار بعضهم من بعض ليخلص الظفر، وليقرر عندهم أن إحساننا إليهم غير منزور، وأن أقل شبرا أقطعناهم من الأرض خير لهم عند الله وعند أنفسهم مما لهم من أقصى العجم إلى شهرزور، وأن أكنافنا الموطئة لهم خير من تلك الجبال الموعرة، وأن بلادنا الآمنة أقر لهم من تلك البلاد التي لا تزال محاصرة أو محصرة؛ وليعرف حق قبائلهم على اختلاف الشعوب، وأنواع الطوائف التي لو اتفقت كلمتها لما وجدت خيلا تكفيها في الركوب، وليكرم منهم ذوي البيوت الكريمة، والإمرة القديمة والأصول التي بلغت السماء فروعها، وحلت لمعان الشموس سيوفها المبرقة ودروعها؛ وليعلم أن صدقاتنا العميمة غير قليلة، وأن رعايتنا الشريفة ستعمهم وتوقد نار كل قبيلة، وأننا لا ينقص عندنا بخت (بختي)، ولا ننسى طرف (ديسني)، ونحل أزرار (زرزاري) إلا لنلبسه الملبس السني، ولا نسهر طرف (سهري) إلا لينام قرير العين، ولا نتعب (راندوادي) وما فيهم إلا من هو ذو الخويصرة ولا فيهم إلا من هو ذو اليدين.
وكذلك بقية أنفارهم الذين ألفهم الإحسان، وعرفهم الجود بما أوجب لبلادهم ومن خلفوا فيها من أولادهم للنسيان. وأنت عليهم الأمير، والجامع لهم بمشيئة الله على الطاعة وهو على جمعهم إذ يشاء قدير؛ فاعرف منهم ساكن كل عمود وجدار، ومن قربت به أو بعدت الدار، وضمهم إلى كنف الإكتناف، وألفهم بكلمة الائتلاف، وكن بهم على انتظار ما صرفنا إليه الوجه من الجهاد، والتأهب بلبس الجلد للجلاد، واتخاذ أكابر فيهم لتصل منهم يدك بالبنان، وتشتد بهم كما يشتد بكعوب الرماح المثقفة السنان؛ واسبرهم بخوض السباريت، وارمهم في البر والبحر ولا تخف فإنهم عفاريت، وألزم بالخبرة الدائمة الخبزة، ولا تلزم غير المخبزة، وميز بعضهم من بعض إلا في الأوقات التي تحيض بها الذكور بأيدي الرجال ولا تعرف المميزة من غير المميزة، ومن مات من ذوي الإقطاع آته خبزه حتى يعين لغيره خبزه، وكذا العاجز وتأن حتى يتحقق عجزه، وما يجب على أصحاب الماشية من حق هو حق أقوام ورزق طوائف أخرى من العساكر المنصورة مضت عليه السنون ولهم في أعدائه أيام فاعمل بما جرت العادة به في استخراجه بالرفق من غير ترك شيء منه ينسى في الآجل، وينسب إلى التقصير إذا أخره عن وقت استحقاقه في العاجل. وكذلك ميراث من مات منهم ولا وارث له إلا بيت المال، والعمل في ذلك بتقوى الله فهي العدة للمآل).

.15- وصية مقدم التركمان:

(فليجمع لنا طوائف التركمان، وليأمرهم بالاستعداد للجهاد فإنهم ترك الأيمان، ولا يدع منهم- إذا رسمنا له- من يلقم سهمه الوتر، ومن إذا جر قوسه رأى منهم طالعا في العقرب القمر. وليجمع طوائفهم على كثرة أفراقهم، وبعد ما بين بيوتهم وأرزاقهم، وليؤلفهم على الطاعة التي بها تقدم، وبسببها سدد سمهريه وتقوم؛ وسهامهم هي التي تبقى، وسيوفهم هي التي الأراقم التي لا تلين للرقى؛ وما برحت ترفع لهم القباب، وتشفع لهم إلينا وصائل الأنساب، ووسائل الأسباب. وليأمر أمراءهم بإقامة وظائف الإمرة ودق الطلبخانات كل عشية، وما يظهر فيه التفاوت بين كل ذي همة وضيعة وهمة علية، ومن مات من المخبزة أنهى إلينا- أو إلى من قرب إليه من نوابنا- خبزه، وألزم من طلب إقطاعه من مخلفيه بما عليه من التقدمة المقررة. ومن لم يترك وارثا إلا بيت المال حفظ له حقه الموروث: فإنه مال الله المقسومن ولكل مسلم فيه حق معلوم. وما هو على السائمة من الزكاة يساعد على استخراجهن وإيصال الحق إلى مستحقه وإلى كل مقطع على حكم منشوره الشريف أو إفراجه.
وتقوى الله سبب مزيده فلا يزال متمسكا بذلك السبب، وليقم منها بما وجب).

.16- وصية مقدم الجبلية:

(وليعرف ما قلد من المنن، ويعلم أنه قد قدم على الفريقين من قيس ويمن وأنه قد جمعت له هذه الذوائب، وحملت له الرايات: هذه محمرة الخدود وهذه صفر الترائب. وقد قلد هذا الأمر الجلل، وجمع عليه أهل السهل والجبل؛ وهو لا يعدم من نصحاء الطائفتين، قول المشير، ومن كبراء الفريقين، من يحسن له العسير. ولم نقدمه إلا لعلمنا أنه ممن لا يستميله الهوى، ولا يميله حظ النفس لأقربائه ولو سقط الجبل أوهوى. فليكن عند ظننا الجميل، وليعدل بكل سبيل؛ فكلمة الإسلام تجمع الجميع، وتعم الكل في حكم التشريع. فليصلح ذات بينهم، وليسقط بينهم ما كانت رجال كل فرقة تطلب به الأخرى من دينهم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم» فليجعل هذا الحديث مسنده، وليبسط به لسانه ويكف يده، وليفض جمعهم على صلح يعمل على أنه يدوم، وتندمل به الجراح وتعفى الكلوم، ويدفن كل قتيل عند أهله، وتبطل به دعوى كل فريق متى ادعى به ادعى الآخر بمثله؛ وليجفف تلك الدماء التي كانت تتثعب، ويرأب تلك الصدوع التي كانت تتشعب، ولينزل القبيلتين منزلة أبناء أب واحد، ويصرف بأسهم الذي كان بينهم إلى كل جاحد؛ وليتألفهم بجهده، ويلفهم عليه ببذل رفده؛ وليستصف خواطر بعضهم لبعض، ويعلمهم أن الشيطان الذي دخل بينهم قد آن له أن يخلد إلى الأرض؛ وليعرف لكل من الفريقين حق سابقة قديمة، ومكانة في أول الإسلام عظيمة؛ وإنما هم لمع من تلك الأنوار، وتبع لأسلافهم ذمي المهاجرين والأنصار؛ وليجعل هممهم على الجهاد مجتمعه، وعلى أعداء الله وأعداء الدولة القاهرة مجمعه؛ وليدع سيوفهم تقر في الأجفان، وخطواتهم في الخدمة لا تحف بها أسود الغيل عن خفان؛ ولينههم عن دعوى الجاهلية، ويخفف عن الرقاب تلك البلية؛ وليعلمهم أنهم مسئولون، {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون}.
ويسكن في رءوس تلك الجبال نسورهم القشاعم، وحياتهم الأراقم، ليكونوا أوقات الحاجة أهل قوة وجلد، وأولي بأس شديد على الأعداء لا على ابن عم مدان وابن أخت حكمه حكم الولد. وتقوى الله في تعظيم حرماته هي المنهل العذب الكثير الزحام، والأمر المطاع ولا كقوله عز من قائل: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام}.

.17- وصية مستوفي الصحبة:

(فهو المهيمن على الأقلام، والمؤمن على مصر والشام، والمؤمل لما يكتب بخطه من كل ترتيب وإنعام، والملازم لصحبة سلطانه في كل سفر ومقام؛ وهو مستوفي الصحبة، والمستولي بالهمم على كل رتبه، والمعول على تحريره، والمعمول بتقريره، والمرجوع في كل الأمور إلى تقديره. به يتحرر كل كشف، ويكف كل كف، وبتنزيله وإلا ما يكمل استخدام ولا صرف؛ وهو المتصفح عنا لكل حساب، والمتطلع إلى ما حضر وغابن والمناقش لأقلام الكتاب، والمحقق الذي إذا قال قال الذي عنده علم من الكتاب، والمظهر للخبايا، والمطلع للخفايا، والمتفق على صحة ما عنده إذا حصل الخلاف، ووصل الأمر فيه إلى التلاف.
وليلزم الكتاب بما يلزمهم من الأعمال، ويحررها بالمستقر إطلاقه وضرائب رءوس المال، وعمل المكلفات وأن يكلفوا عملها، وتقدير المساحات وليتتبع خللها. وليلزمهم بتمييز قيمها بعض عن بعض، وتفاوت ما بين تسجيل الفدن في كل بلد حسب ما يصلح له زراعة كل أرض، وبمستجد الجرائد وما يقابل عليه ديوان الإقطاع والأحباس، وغير ذلك مما لا يحصل فيه التباس.
ومثلك لا يزاد بالتعليم، ولا ينازع فكل شيء يؤخذ منه بالتسليم؛ وما ثم ما يوصى به رب وظيفة إلا وعنده ينزل علمه، وفيه ينزه فهمه؛ وملاك الكل تقوى الله والأمانة فهما الجنتان الواقيتان، والجنتان الباقيتان؛ وقد عرف منهما بما يفاض منه عليه أسبغ جلباب، وأسبل ستر يصان بههو ومن يتخذهم من معينين ونواب. والله تعالى يبلغه من الرتب أقصاها، ويجري قلمه الذي لا يدع في مال ممالكنا صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها).

.18- وصية جامعة لقاض من أي مذهب كان:

(وهذه الرتبة التي جعل الله إليها منتهى القضايا، وإنهاء الشكايا، ولا يكون صاحبها إلا من العلماء، الذين هم ورثة الأنبياء، ومتولي الأحكام الشرعية بها كما ورث عن نبي الله صلى الله عليه وسلم علمه، كذلك ورث حكمه؛ وقد أصبح بيده زمام الأحكام، وفصل القضاء الذي يعرض بعضه بعده على غيره من الحكام؛ وما منهم إلا من ينقد نقد الصيرفي، وينفذ حكمه نفاذ المشرفي؛ فليترو في أحكامه قبل إمضائها، وفي المحاكمات إليه قبل فصل قضائها وليراجع الأمر مرة بعد مرة حتى يزول عنه الالتباس، ويعاود فيه بعد التأمل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإجماع والقياس؛ وما أشكل عليه بعد ذلك فليجل ظلمه بالاستخاره، وليحل مشكلة بالاستشاره، ولا ير نقصا عليه إذا استشار قد أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالشورى، ومر من أول السلف من جعلها بينه وبين خطأ الاجتهاد سورا، فقد ينسخ للمرء ما أعيا غيره وقد أكثر فيه الدأب، ويتفطن الصغير لما لم يتفطن إليه الكبير كما فطن ابن عمر للنخلة وما منعه أن يتكلم إلا صغر سنه ولزوما مع من هو أكبر منه للأدب؛ ثم إذا وضح له الحق قضى به لمستحقه، وسجل له به واشهد على نفسه بثبوت حقهن وحكم له به حكما يسره يوم القيامة أن يراهن وإذا كتب له به ذكر بخير إذا بلي وبقى الدهر ما كتبت يداه. وليسوا بين تقسيم الخصوم حتى في تقسيم النظر، وليجعل كل عمله على الحق فيما أباح وما حظر؛ وليجد النظر في أمر الشهود حتى لا يدخل عليه زيف، وليتحر في استيداء الشهادات فرب قاض ذبح بغير سكين وشاهد قتل بغير سيف؛ ولا يقبل منهم إلا من عرف بالعداله، وألف منه أن يرى أوامر النفس أشد العدى له- وغير هؤلاء ممن لم تجر له بالشهادة عاده، ولا تصدى للارتزاق بسحتها ومات وهو حي على الشهادة.
فليقبل منهم من لا يكون في قبول مثله ملامه، فرب عدل بين منطقة وسيف وفاسق في فرجية وعمامه. ولينقب على ما يصدر من العقود التي يؤسس أكثرها على شفا جرف هار، ويوقع في مثل السفاح إلا أن الحدود تدرأ بالشبهات ويبقى العار. وشهود القيمة الذين يقطع بقولهم في حق كل مستحق ومال كل يتيم، ويقلد شهاداتهم على كل أمر عظيم، فلا يعول منهم إلا على كل رب مال عارف لا تخفى عليه القيم، ولا يخاف معه خطأ الحدس وقد صقل التجريب مرآه فهمه على طول القدم. وليتأن في ذلك كله أناة لا تقضي بإضاعة الحق، ولا إلى المطاولة التي تفضي إلى ملل من استحق. وليمهد لرمسه، ولا يتعلل بأن القاضي أسير الشهود وهو كذلك وإنما يسعى لخلاص نفسه- والوكلاء هم البلاء المبرم، والشياطين المسولون لمن توكلوا له بالباطل ليقضى لهم به وإنما تقطع لهم قطعة من جهنم؛ فليكف بمهابته ساوس أفكارهم، ومساوي فجارهم، ولا يدع لمجنى أحد منهم ثمرة إلا ممنوعه، ولا يد اعتداء تمتد إلا مغلولة إلى عنقه أو مقطوعة؛ وليطهر بابه من دنس الرسل الذين يمشون على غير الطريق، وإذا رأى واحدا منهم درهما ود لو حصل في يده ووقع في نار الحريق؛ وغير هذا مما لا يحتاج به مثله أن يوصى، ولا أن يحصى عليه منه أفراد عمله وهو لا يحصى، ومنها النظر في أمور أوقاف أهل مذهبه نظر العموم، فليعمرها بجميل نظره فرب نظرة أنفع من مواقع الغيوم، وليأخذ بقلوب طائفته الذين خص من بينهم بالتقديم، وتفاوت بعد ما بينه وبينهم حتى صار يزيل عارض الرجل منهم النظرة منه ويأسو جراحه منه التكليم. وهذه الوصايا إنما ذكرت له على سبيل الذكرى، وفيه- بحمد الله- أضعافها ولهذا أوليناه- والحمد لله- شكرا. وقد جعلنا له أن يستنيب من يكون بمثل أوصافه أو قريبا من هذه المثابة؛ ومن يرضى به أن يحمل عنه الكل ويقاسمه ثوابه؛ وتقوى الله هي جماع الخير ولاسيما لصاحب هذه الوظيفة، ولمن وليها أصلا أو فرعا لا يستغني عنها رب حكم مطلق التصرف ولا خليفة.
ويزاد الشافعي:
وليعلم أنه صدر المجلس، وإنه أدنى القوم وإن كانوا أشباهه منا حيث نجلس، وأنه ذو الطيلسا الذي يخضع له رب كل سيف ويبلس، وليتحقق أنه إنما رفعه علمه وتقاه، وأن سببه دينه لا دنياه هو الذي رقاه؛ فليقدر حق هذه النعم، وليقف عند حد منصبه الذي يود لو اشترى سواد مداده بحمر النعم.
ويقال في وصيته:
وأمر دعاوى بيت المال المعمور، ومحاكماته التي فيها حق كل فرد من الجمهور؛ فليحترز في قضاياها غاية الاحتراز، وليعمل بما يقتضيه لها الحق من الصيانة والإحراز، ولا يقبل فيها كل بينة للوكيل عن المسلمين فيها مدفع، ولا يعمل فيها بمسألة ضعيفة يضن أنها ما تضر عند الله فإنها ما تنفع؛ وله حقوق فلا يجد من يسعى في تملك شيء منها بالباطل منه إلا الياس، ولا يلتفت إلى من رخص لنفسه وقال: (هو مال السلطان) فإنه ما لنا فيه إلا ما لواحد من الناس. وأموال الأيتام الذين حذر الله من أكل مالهم إلا بالمعروف لا بالشبهات، وقد مات آباؤهم ومنهم صغار لا يهتدون إلى غير الثدي للرضاع ومنهم حمل في بطون الأمهات؛ فليأمر المتحدثين لهم بالإحسان إليهم، وليعرفهم بأنهم سيجزون في بينهم بمثل ما يعملون معهم إذا ماتوا وتركوا ما في يديهم، وليحذر منهم من لا ولد له: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم}. وليقص عليهم في مثل ذلك أنباء من سلف تذكيرا، ويتل عليهم القرآن ويذكرهم بقوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونه نارا وسيصلون سعيرا}.
والصدقات الموكولة إلى تصريف قلمه، المأكولة بعدم أمانة المباشرين وهي في ذممه، يتيقظ لإجرائها على السداد في صرفها في وجوه استحقاقها، العمل بما لا يجب سواه في أخذها وإنفاقها. والمسائل التي تفرد بها مذهبه وترجح عنده بها العمل، وأعد عنها الجواب لله إذا سأل، لا يعمل فيها بمرجوح إلا إذا كان نص مذهب إمامه أو عليه أكثر الأصحاب، ورآه وقد حكم به أهل العلم ممن تقدمه لرجحانه عنده وللاستصحاب. ونواب البر لا يقلد منهم إلا من تحقق استحقاقه، فإنه إنما يوليه على مسلمين لا علم لأكثرهم فهم إلى ذي العلم أشد فاقة؛ هذا إلى ما يتعرف من ديانتهم ومن عفافهم الذي يتجرع المرء منهم مرارة الصبر من الفاقة وهو به يتحلى، ثم لا يزال له عين عليهم فإن الرجال كالصناديق المقفلة لا يعرف الرجل ما هو حتى يتولى.
ويزاد الحنفي:
وليعلم أن إمامه أول من دون الفقه وجمعه، وتقدم وأسبق العلماء من تبعه، وفي مذهبه ومذاهب أصحابه أقوال في المذهب، ومسائل ما لحقه فيها مالك وهو أول من جاء بعده وممن يعد من سوابقه أشهب، ومن أهمها تزويج الصغائر، وتحصينهن بالأكفاء من الأزواج خوفا عليهن من الكبائر؛ وشفعة الجوار التي لو لم تكن من رأيهم لما أمن جار السوء على رغم الأنوف، ولأقام الرجل الدهر ساكنا في داره بين أهله وهو يتوقع المخوف؛ وكذلك نفقة المعتدة التي هي في أسر من طلقها وإن بتت من حباله، وبقيت لا هو بالذي ينفق عليها ولا هي بالتي تستطيع أن تتزوج من رجل ينفق عليها من ماله؛ ومن استدان مالا فأكله وادعى الإعسار، ولفق له بينة أراد أن تسمع له ولم يدخل الحبس ولا أرهق من أمره الأعسار؛ وأهل مذهبه على أنه يسجن أولا ويمكث مدة، ثم إذا ادعى أن له بينة أحضرت ثم هل تقبل أو لا- فهذا- وأمثاله وما فيه عموم صلاح وعظيم نفع ما فيه جناح، فليقض في هذا كله إذا رآه بمقتضى مذهبه، وليهتد في هذه الآراء وسواها بقمر إمامه الطالع أبي حنيفة وشهبه؛ وليحسن إلى فقهاء مذهبه الذي أدنى إليه أكثره الاغتراب، وحلق بهم إليه طائر النهار حيث لا يحلق البازي وجناح الليل حيث لا يطير الغراب؛ وقد تركوا ورائهم من البلاد الشاسعة، والأمداد الواسعة، ما يراعى لهم حقه إذا عدت الحقوق، ويجمعه وإياهم به أبوه أبو حنيفة وما مثله من ينسب إلى العقوق.
يزاد المالكي:
ومذهبه له السيف المصلت على من كفر، والمذهب بدم من طل دمه وحصل به الظفر؛ ومن عدا قدره الوضيع، وتعرض إلى أنبياء الله بالقول الشنيع، فإنه إنما يقتل بسيفه المجرد، ويراق دمه تعزيرا بقوله الذي به تفرد؛ ولم يزل سيف مذهبه لهم بارز الصفحة، مسلما له إلى مالك خازن النار من مذهب مالك الذي ما فيه فسحه؛ وفي هذا ما يصرح غدر الدين من القذى، وما لم تطل دماء هؤلاء (لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى)؛ وإنما نوصيه بالتحري في الثبوت، والبينة التي لا يستدرك بها ما يفوت؛ وإنما هو رجل يحيا أو يموت؛ فليتمهل قبل بت القضاء، وليعذر إليهم لاحتمال ثبوت تفسيق للشهود أو بغضاء، حتى لا يعجل تلافا، ولا يعجل بما لا يتلافى؛ فكما أننا نوصيه أن لا ينقض في شد الوثاق عليهم إبراما، فهكذا نوصيه أن لا يصيب بغير حقه دما حراما. وكذلك قبول الشهادة على الخط، وإحياء ما مات من الكتب وإدناء ما شط- فهذا مما فيه فسحة للناس، وراحة ما فيها باس، إلا أنه يكون الثبوت بهذه البينة للاتصال، لا لنزع يد ولا إلزام بمجردها بمال؛ وهكذا ما يراه من ولاية الأوصياء وهو مما هو تفرد به هو دون البقية، وفيه مصلحة وإلا فما معنى الوصية؛ وهو زيادة احتراز ما تضر مراعاة مثلها في الأمور الشرعية، وسوى هذا مثل إسقاط الريع في وقف استرد وقد بيع، وعطل المشتري من التكسب بذلك المال مدة لا يشتري ولا يبيع، وهذا مما يبت قضاءه في مثله، ويجعل عقاب من أقدم على بيع الوقف إحرامه مدة البيع من مغله، وسوى ذلك مما عليه العمل، ومما إذا قال فيه قال بحق وإذا حكم عدل. وفقهاء مذهبه في هذه البلاد قليل ما هم، وهم غرباء فليحسن مأواهم، وليكرم بكرمه مثواهم وليستقر بهم النوى في كنفه فقد ملوا طول الدرب، ومعاناة السفر الذي هو أشد الحرب، ولينسهم أوطانهم ببره ولا يدع في مآقيهم دمعا يفيض على الغرب.
ويزاد الحنبلي:
والمهم المقدم- وهو يعلم ما حدث على أهل مذهبه من الشناعة، وما رموا به من الأقوال التي نتركها لما فيها من البشاعة، ونكتفي به في تعفية آثارها، وإماطة أذاها عن طريق مذهبه لتأمن السالكة عليه من عثارها؛ فتعالى الله أن يعرف بكيف، أو يجاوب السائل عنه بهذا إلا بالسيف؛ والانضمام إلى الجماعة والحذر من الانفراد، وإقرار آيات الصفات على ما جاءت عليه مع الاعتقاد أن الظاهر غير المراد، والخروج بهم إلى النور من الظلماء، وتأويل ما لابد من تأويله مثل حديث الأمة التي سئلت عن ربها: أين هو؟ فقالت: في السماء، وإلا ففي البلية بإثبات الجهة ما فيها من الكوارث، ويلزم منها الحدوث والله سبحانه قديم ليس بحادث ولا محلا للحوادث؛ وكذلك القول في القرآن ونحن ننذر من تكلم في ذلك بصوت أو حرف، فما جزاء من قال بالصوت إلا سوط وبالحرف إلا حتف؛ ثم بعد هذا الذي يزع به الجهال، ويرد دون غايته الفكر الجوال، ينظر في أمور مذهبه ويعمل بكل ما صح نقله عن إمامه وأصحابه: من كان منهم في زمانه ومن تخلف عن أيامه، فقد كان رحمه الله إمام حق نهض وقد قعد إلينا تلك المده، وقام نوبة المحنة مقام سيد تيم رضي الله عنه نوبة الردة، ولم تهب بع زعازع المريسي وقد هبت مريسا، ولا ابن أبي داود وقد جمع له كل ذود وساق إليه من كل قطر عيسا، ولا نكث عهدة ما قدم له المأمون في وصية أخيه من المواثق، ولا روعه سوط المعتصم وقد صب عليه عذابه ولا سيف الواثق.
فليقف على أثره؛ وليقف بمسنده على مذهبه كله أو أكثره، وليقض بمفرداته وما اختاره أصحابه الأخيار، وليقلدهم إذا لم تختلف عليه الأخبار، وليحترز لدينه في بيع ما دثر من الأوقاف وصرف ثمنه في مثله، ولاستبدال لما فيه المصلحة لأهله، والفسخ على من غاب مدة يسوغ في مثلها الفسخ، وترك زوجة لم يترك لها نفقة وخلاها وهي مع بقائها في زوجيته كالمعلقة، وإطلاق سراحها لتتزوج بعد ثبوت الفسخ بشروطه التي يبقى حكمها به حكم المطلقة؛ وفيما يمنع مضارة الجار، وما يتفرع على قوله (ص): (لا ضرر ولا ضرار)؛ وأمر وقف الإنسان على نفسه وإن رآه سوى أهل مذهبه، وأطلعت به أهله علماء لولاهم لما جلا الزمان جنح غيهبه، وكذلك الجوائح التي يخفف بها عن الضعفاء وإن كان لا يرى بها الإلزام، ولا تجري لديه مجرى المصالحة بدليل الالتزام؛ وكذلك المعاملة التي لولا الرخصة عندهم فيها لما أكل أكثر الناس إلا الحرام المحض، ولا أخذ قسم الغلال والمعامل هو يزرع البذور ويحرث الأرض؛ وغير ذلك مما هو من مفرداته التي هي للرفق جامعه، وللرعايا في أكثر معايشهم وأسبابهم نافعة؛ وإذا استقرت الأصول كانت الفروع لها تابعه. وفقهاء مذهبه هم الفقراء لقلة المحصول وضعف الأوقاف، وهم على الرقة كالرماح المعدة للثقاف؛ فخذ بخواطرهم، ومد آمالهم في غائب وقتهم وحاضرهم، واشملهم بالإحسان الذي يرغبهم، ويقل به طلبهم لوجوه الغنى ويكثر طلبهم).